Résumé :
|
“ثقافة البحث العلمي” هي عنوان كتابٍ جديدٍ, توفَّر على تأليفه د. غالب الفريجات; وأحسبُ أنَّ قراءته تكفي للوقوف على أهمية وضرورة إشاعة, وشيوع, ثقافة البحث العلمي بين المشتغلين بالعلوم كافَّة, أكانت مضبوطة أم غير مضبوطة, وبين الطُّلاب في المدارس والمعاهد والجامعات; فنحن, وعلى ما أوضح وأثبت المؤلِّف في مؤلَّفه, أُمَّة تشتدُّ لديها الحاجة الحضارية إلى “البحث العلمي”, بأصوله وقواعده ومعاييره التي تواضَع عليها المجتمع العلمي العالمي, وإلى نَشْر وإشاعة ثقافته.
وإنَّ تنمية روح البحث العلمي, على ما أوضح الكاتب, يجب أنْ تبدأ بالطالب منذ جلوسه على مقعد الدراسة في مراحل تعليمه الأولى, وقبل أنْ يدخل بوابة الجامعة, وأنْ تستمر حتى بعد تخرُّجه من الجامعة; فتوظيف أساليب البحث العلمي, والتدريب على استخدامها, يهيئان للإنسان سُبُل الإبداع, وحُسْن استعمال معارفه وعلومه المكتسَبة حتى في حل مشكلات حياته اليومية.
ويلاحِظ الكاتب أنَّ الفَرْق الحضاري بين الأمم يكمن في “النظام التعليمي” المعمول به; فشتَّان ما بين “النظام التعليمي” عندنا و”النظام التعليمي” في الأمم المتحضِّرة والذي يقوم على الحوار, ويحترم إنسانية الإنسان, ويرعى أصحاب العقول المبدعة, ويُطوِّر القدرة على التفكير والبحث والإبداع, جاعلاً من اكتساب المعرفة هدفاً له.
وانضم الكاتب إلى الفيلسوف بيكون في تحذيره كل باحثٍ عن الحقيقة من الوقوع في وَهْمٍ من أربعة أوهام هي أوهام “الجنس (أو القبيلة)”, و”الكهف”, و”المسرح”, و”السوق”, شارحاً معانيها جميعاً.
الكاتب حدَّد للبحث العلمي أهدافاً أربعة هي: “الفهم”, و”التنبؤ”, و”السيطرة (الضَّبْط والتحكُّم)”, و”البناء المنظَّم للمعرفة”.
أمَّا صفات الباحث الناجح فهي, على ما شرح الكاتب وأوضح, “اختيار الموضوع الذي يهمه ويرغب في دراسته, ويجد المتعة في متابعته وكشف أسراره”, و”اختيار الموضوع المنسجم مع تخصصه”, و”التحلِّي بالصبر”, و”المهارة في تطوير واستخدام أدوات البحث وتقنياتها”, و”الاستمساك بالقيم الأخلاقية وفي مقدَّمها الصدق والموضوعية”, و”التواضع”, و”الكفاءة في تشخيص الظواهر والأحداث”, و”المنهجية والتنظيم في العمل”, و”القدرة على التعبير اللغوي (فاللغة وعاء الفكر; ومن ضعفت لغته ضعف فكره)”.
ويتحدَّث الكاتب عن خصائص البحث العلمي, مُبْرِزاً في هذا الصدد أهمية أنْ يبدأ البحث بسؤالٍ, أو عدة أسئلة, وأن تُحدَّد المشكلة, وتُصاغ, على خير وجه, وأنْ تُوْضَع للبحث فرضيات; فمن طريق السعي إلى اختبارها قد يتوصَّل المرء إلى حقائق جديدة.
ويبدي الكاتب استمساكاً بجملة من المبادئ والقيم, ك¯ “حُبُّ الحقيقة”, و”الحرية”, و”المسؤولية”, و”الأمانة العلمية”, و”التعاون”, و”المهنية”, و”الموضوعية”, و”التفكير العلمي”, و”التنظيم”, و”الدقة”.
ويستفيض الكاتب في شرح وتبيان أهمية البحث العلمي في حياة المجتمع على وجه العموم, وفي إثراء التعليم العالي على وجه الخصوص, مفصِّلاً العقبات التي تعترض طريق البحث العلمي, ووسائل وطرائق تطويره.
وفي معرض حديثه عن أزمة البحث العلمي في مجتمعنا العربي يدعو الكاتب إلى الإسراع في التصدِّي لها, وحلها, من خلال أطلاق حرية البحث العلمي, وتوفير المال اللازم, وإعداد الكوادر العلمية والفنية القادرة على النهوض بحركة البحث العلمي.
ومن أهم مشكلات البحث العلمي عندنا, من وجهة نظر الكاتب, “عدم إعداد الباحث العلمي”, و”عدم توفير المناخ الملائم له”, و”غياب التخطيط”, و”البيروقراطية والتعقيد الإداري”, و”عدم توافر الحدود الدنيا من نُظُم المعلوماتية”, و”عدم التواصل الحقيقي والفعَّال بين الأطراف المعنيين بالبحث العلمي, داخلياً وخارجياً”, و”الافتقار إلى الأصالة”, و”انتشار السرقات العلمية”, و”الإخلال بأصول البحث العلمي”.
ثمَّ يعرض الكاتب للتصورات المستقبلية للثقافة المعلوماتية, شارحاً الوظيفة التعليمية للجامعة, ودور المكتبات الجامعية في البحث والدراسة.
ويَخْلُص الكاتب إلى إنَّ البحث العلمي ليس نوعاً من الترف الفكري, أو وسيلة للترفيه في مؤسسات التعليم العالي; فالبحث العلمي نقف على أهميته الحضارية والاقتصادية عند مقارنتنا بين الحال التي كانت عليها أوروبا, قبل الثورة الصناعية, والحال التي هي عليها الآن, والتي يكمن في أساسها حقيقة أنَّ الازدهار الصناعي هو نتيجة حتمية للبحث العلمي, ولشيوع ثقافته.
|